English |   עברית  

التدريس: معقّد من الداخل، بسيط من الخارج

التدريس: معقّد من الداخل، بسيط من الخارج

بقلم- تال كرمي

يُعتبَر التدريس من أصعب المهن وأكثرها تحديًا في العالم، لكن البعض يتعاملون معها خطأً على أنها مهنة بسيطة. الباحث التربوي ديفيد لاباري (Labaree) يصف لنا مسبّبات وعوامل هذه الفجوة.

المرجع

  Labaree, D. F. (2000). On the nature of teaching and teacher education: Difficult practices that look easy. Journal of Teacher Education51(3), 228-233.

مَن مِنّا لا يعرف الشعار القائل بأن المعلمين هم أهمّ مورد في جهاز التربية والتعليم؟ لا شك أن تطوير قوة تدريسية مميزة هو مهمة ذات أهمية مركزية، لكنها تشكّل أيضًا تحديًا كبيرًا. لتحقيق هذا الهدف، علينا أولًا أن ندرك العوامل التي تجعل التدريس مهمة معقدة. يتطرق مقال ديفيد لاباري (Labaree) إلى مفاهيم مختلفة في مهنة التدريس، ويشرح أسباب تعقيد وصعوبة هذه المهنة، ولماذا يعتبِرها الكثيرون برغم ذلك ممارسة بسيطة ويومية. في هذا المقال، سنشرح الادعاءات الأساسية التي تطرق لها المقال، ونستعرض الطرق التي تحاول من خلالها سيرورة إطلالة التعامل مع تحديات التدريس.

المسألة سهلة للغاية، كلّ شخص يمكنه أن يدرّس

يتعامل الكثيرون مع مهنة التدريس، عن غير حقّ، كعمل بسيط للغاية. هناك أربعة أسباب أساسية لذلك:

  1. “جميعنا تعلّمنا التدريس على مدار 12 عامًا” – كطلاب، جميعنا كنا نشاهد المعلمين خلال عملهم، ممّا يجعلنا نشعر أننا نعرف ماذا يفعل المعلم من أجل تأدية وظيفته. إلا أن الطلاب ينكشفون فقط على الإجراءات والنتائج النهائية، ولا ينكشفون على الاعتبارات التي تقف من ورائها. وهكذا، يبدو لنا أن هذه الإجراءات مصدرها في العادات -هكذا من المعتاد والمتّبع أن يتم التدريس – أو في طبيعة المعلم لا غير، فنتجاهل سيرورات التفكير، استخلاص الاستنتاجات واتخاذ القرارات، والتي تعتبَر جزءًا لا يتجزّأ من التدريس الجيد.
  2. “هذه ليست جراحة للدماغ” – التدريس هو خدمة تقدَّم لكل السكان، لذلك فإن المعرفة والمهارات التي توفّرها تعتبَر بديهية.
  3. “المعلم هو ليس المختصّ الخبير” – يُعتبَر المعلمون أصحاب اختصاص جزئي في المجال الذي يدرّسونه. معلّم الفيزياء ومعلّم الرسم يعتبَرون أقلّ اختصاصًا بالمقارنة مع الفيزيائيّ والرسّام.
  4. “المعلم الجيد هو معلم لا حاجة له” – نجاح المعلم يتعلق بقدرته على تعزيز مهارات التعلّم لدى طلابه وجعلهم مستقلين. المعلم الجيد يجعل الطالب يشعر بأنه من السهل عليه أن يتعلم، ممّا يولِّد شعور بأنه معلم لا حاجة له.

 

إلا أن هذه المفاهيم لا تأخذ يعين الاعتبار التحديات الحقيقية التي تعترض طريق المعلمين. هذه الأمور تجعل التدريس من أصعب المِهن وأكثرها تحديًا. يذكر المقال خمسة تحديات كهذه:

هل يتعاون الطلاب معي؟

الكثير من أصحاب المِهن يزوّدون خدمات لا يوجد لزبائنهم تأثير عليها. على سبيل المثال، بإمكان الجرّاح أن يحلّ مشاكل طبية بينما يكون المتعالج مخدّرًا، وبإمكان المحامي ان يترافع عن موكّله دون أن يكون الموكّل حاضرًا في كل الجلسات. بالمقابل، المعلم بحاجة إلى تعاون فعال من طلابه، وعلى الأقل لجاهزيّتهم لتعلّم الموادّ التي يدرّسها. لذلك، العلاقة بين الإجراءات التي يقوم بها المعلم وبين نواتج عمله هي علاقة غير مباشرة، معقدة وغالبًا صعبة للتشخيص.

هل هذه المعرفة والمعلومات تناسبهم؟

هل كان الأولاد في جيل المدرسة سيختارون بأنفسهم الجلوس في الدروس؟ على الأرجح، لا! على الأرجح أن معظم الطلاب يُبدون اهتمامًا ضئيلًا في اكتساب المعرفة والمعلومات التي يتعلمونها في المدرسة. معظم هذه المعرفة والمعلومات مأخوذة من “عالم الكبار”، ولا علاقة لها بسياق حياة الطلاب اليومية. ولا عجب أن معظمهم يهتمون أكثر بحياتهم في الوقت الحاضر. تتفاقم هذه المشكلة على ضوء الحقيقة بأن حضور الطلاب في الصف ناجم عن الضغوطات التي يمارسها عليهم الأهل، البيئة الاجتماعية والقانون طبعًا. أيّ أنهم يفعلون شيئًا لا يهمّهم قسرًا.

عمل نابع من القلب؟

المعلمون بحاجة إلى تداخُل عاطفي كبير. لا يمكن للمعلم أن يكون منفصلًا عن طلابه، وفي الكثير من الحالات من المفترض أن يكون مرتبطًا بهم عاطفيًا. العلاقة العاطفية تساعد على فهم الطلاب، التعرّف عن كثب على الصعوبات التي يواجهونها وتشجيعهم على المشاركة الفعالة في سيرورة التعلّم. إضافةً لذلك، يجب على المعلم أن يلبي الاحتياجات المتناقضة: يجب أن يبني علاقات شخصية مع طلابه ويلبي احتياجات كل واحد منهم بشكل فردي من جهة، وأن يكون بمثابة السلطة الرسمية في الصف، ويحافظ على الإنصاف والمساواة بين الطلاب من جهة أخرى. بما أنه ليست هناك قواعد موحّدة ومتّبعة حول كيفية بناء العلاقات الشخصية والعاطفية، يضطر كل معلم أن يجد بنفسه الطرق المناسبة لإدارة مشاعره وعلاقاته مع طلابه.

القرار ليس بيدي وحدي

في معظم المدارس، يتواجد المعلم والطلاب لمدة 45 دقيقة أو ساعة ونصف لوحدهم داخل غرفة الصف. حتى وإن كانت هناك محاولات لتغيير هذه الآليّة، إلا أن المسؤولية عن السلوك والتعلّم في كل درس تبقى ملقاة على شخص بالغ واحد فقط. هذه الحقيقة تعيق عملية خلق ثقافة مهنية مشتركة تشمل التخطيط، الاستشارة، بلورة حلول للمشاكل وتطوير أساليب عمل جديدة.

اتبعوني! لكن إلى أين؟

التدريس هو عمل يصعُب تقييم تأثيره. فهو يتميّز بنوع من الغموض الناجم عن التوتّرات بين الأهداف المختلفة. لا يعرف المعلمون دائمًا من هم “زبائنهم”. هل هم الطلاب؟ أهالي الطلاب؟ المجتمع كله؟ لكل واحد من هؤلاء “الزبائن” مصالح مختلفة تحتاج لتحديد أهداف مختلفة وممارسات تربوية وتعليمية مختلفة. وإن لم تكن هناك أهداف واضحة، من الصعب أن نحدد ما إذا تم تحقيقها.

من ناحية أخرى، هناك عوامل ومتغيرات كثيرة تؤثر على تعلّم الطلاب، ولا يمكننا أن نتجاهل من بينها عمل المعلم، لذلك من الصعب قياس تأثيرها. كما وأن القياس في مجال التربية والتعليم ليس دقيقًا أساسًا. يمكن قياس النجاح من خلال تنفيذ المهام أو الامتحانات، لكن هل يدلّ هذا القياس على المعرفة الواسعة التي يملكها الطلاب؟ هل يدلّ هذا القياس على المهارات التي اكتسبوها وطوّروها على مرّ الزمن؟ بل أكثر من ذلك، هل يمكن أن نعرف من القياس ما الذي ساهمَ في تطوّر الطلاب؟

نتطلّع قدمًا

يتناول مقال لاباري تحديات ليست سهلة في مهنة التدريس، والطريقة التي يتعامل بها الأشخاص معها. يصف لاباري الفجوة بين التصوُّر العام الإشكاليّ لمهنة التدريس، وبين الصعوبات المختلفة التي يواجهها المعلمون في عملهم اليومي. ويفسح المجال للإمعان في هذه الفجوة بشفافية، والعمل من منطلق الاعتراف بها.

والآن، لننتقل إلى الحلول…

يمكن القول إن المشاكل المعقدة، ليست لها غالبًا حلول سهلة. التحديات التي ذكرناها ناجمة عن عوامل كثيرة، حيث لا يمكن للمعلمين أن يؤثروا على جميع هذه العوامل. البعض منها متعلق بتركيبة جهاز التربية والتعليم، والبعض الآخر بمفاهيم مترسّخة ثقافيًا، وبعضها مشاكل موضوعية متعلقة بواقع حياتنا المعقدة. ليس بإمكان المعلمين تغيير هذه العوامل بكبسة زرّ. لمن بمقدورهن أن يتعاملوا مع مدى تعقيد المهنة ومع التصوُّر الذي يرى بها مهنة سهلة، وذلك من خلال التعلّم وتحسين ممارساتهم باستمرار. لكي يحدث ذلك، لا يمكن الاكتفاء بإحداث تغيير عينيّ أو لمرة واحدة أو تغيير يوفّر إجابات متناسقة، فهذه الأمور لا يمكنها حل المشاكل المعقدة التي ترافق مهنة التدريس لسنوات طويلة. بالمقابل، فإنّ تبنّي أساليب عمل تقود إلى تطوير مهارات المعلمين الشخصية وإلى ممارسات تستند إلى اعتباراتهم المهنية، يساعد المعلمين على المشاركة بشكل فعال في التعامل مع التحديات بشكل دائم.

لذلك، نحن بحاجة إلى استراتيجية. سيرورة إطلالة تطوّر وتعزز مثل هذه الاستراتيجية. فهي تقترح بديلًا للواقع التنظيميّ الذي بموجبه يعمل كل معلم بمفرده في صفّه. بدلًا من ذلك، تسعى السيرورة لدمج المعلمين في مجموعات تعلُّم، تشكّل كلٌّ منها عالمًا مصغّرًا لمجتمع مهني واسع. المجموعات هي مساحة للحوار المشتركة والمتواصل بين المعلمين، بالإضافة إلى الدعم، التشاورات، نقد الزملاء، تحليل الحالات بشكل مشترك، اقتراح حلول وبلورة طرق العمل.

بهذا الشكل يتم بناء ثقافة مهنية مشتركة تدريجيًا. الحوار المستمر يتيح المجال لبلورة لغة تربوية وتعليمية متّفق عليها، لتكون بمثابة الأساس الذي ترتكز عليه الممارسة المشتركة. أيّ ليس الحالة التي يعمل فيها كل معلم بمفرده وفقًا لمفهومه التربوي، بل بلورة أسس مشتركة تتيح المجال للتأمل المتبادل في الممارسات التي يتّبعها كل الشركاء بهدف تقييمها وتحسينها. هذا التغيير يؤدي إلى خلق أساس مفاهيميّ معترف به ومتّفق عليه، ويوضّح الأمور بالنسبة للأهداف التربوية والتعليمية، وكذلك بالنسبة لطرق تقييم العلاقة بين الإجراءات التي يقوم بها المعلم وتأثيراتها على طلابه.

إلى جانب ذلك، تسعى سيرورة إطلالة إلى تطوير وترسيخ ممارسات وأدوات عملية تساهم لعمل مجتمعات التعلّم. السيرورة لا تقترح حلولًا مباشرة لتحديات التدريس، بل تشجع على بلورة ممارسات للتعامل مع هذه التحديات بشكل مشترك. تقترح السيرورة باقة من الأدوات لإدارة مناقشات مجتمعات التعلّم، وتوجيهها للعمل البحثي في مهنة التدريس. هذه الأدوات تمكّن المعلمين من التطور – تعميق إدراكهم للتحديات المختلفة الكامنة في مهنة التدريس، وبلورة حلول ملائمة (للتحديات وللمعلمين على حد سواء).

بهذا الشكل، توفّر سيرورة إطلالة إطارًا تنظيميًا-فكريًا ومهنيًا – يعمل المعلمون بموجبه. المعلمون هم مَن ينمّون المعرفة التدريسية العملية، وبالتالي يبلورون حلولًا لتحديات المهنة.

השקפה נוספת

أداة الأسهم

أداة الأسهم بقلم- طاقم البحث والتطوير أداة الأسهم هي أداة من عالم التفكير التصميمي. الهدف من استخدامها هو تشخيص وخلق حوار يساعد المجتمع في تعميق

קרא עוד »

شجرة القضايا

شجرة القضايا بقلم- طاقم البحث والتطوير شجرة القضايا هي أداة من عالم التفكير التصميمي، والتي تهدف إلى مساعدة المجتمع على التعرف معًا على العوامل الأساسيّة

קרא עוד »

أدوات لاختيار قضية مثمرة

أدوات لاختيار قضية مثمرة بقلم : طاقم إطلالة  مرحلة تحديد القضية في مجتمعات إطلالة تشكل الأساس لاستمرار عمل المجتمع بشكل مركز وفعال. في هذه المرحلة،

קרא עוד »
Skip to content