توقّفوا عن الاندهاش وقول كلمة "رائع"
بقلم: ميخال بن زاكين وطال كرمي
قيادة حوار استقصائيّ-نزاعيّ
لماذا ننصحكم بقراءة هذه المقالة؟ تتناول هذه المقالة مساهمة الصراعات المعرفيّة في تعزيز التعلّم والتطوّر المهنيّ، وتوفّر الأدوات اللازمة لقيادة وإدارة الصراعات المعرفيّة، في إطار الحوار الدائر في مجتمعات إطلالة.
تستند المقالة إلى المراجع التالية:
De Lima, J. Á. (2001). Forgetting about friendship: Using conflict in teacher communities as a catalyst for school change. Journal of Educational Change, 2(2), 97-122.
MacDonald, E. (2011). When nice won’t suffice. Journal of Staff Development, 32(3), 45-47.
5-47
دافنا هي معلّمة رياديّة. تؤدّي عملها “كما يقول الكتاب”- تخطّط لسيرورة التعلّم لمجتمع المعلّمات اللواتي جنّدتهن للمشاركة، تختار معهن موضوعًا سيركّز عليه المجتمع التعلّميّ، وتستعرض تمثيلات تمكّنهن من اختيار القضايا التي تشغلهن. تستخدم دافنا الأدوات التي تلقتها من الموجّهة اللوائيّة، والتي تساعدها على قيادة سيرورات تعلّمية في مجتمع المعلّمات. تنجح في تعزيز الشعور بالترابط، الثقة والانفتاح بين المعلّمات، كيف يعقل إذًا أنّ عملية التدريس في الصفوف لم تتغيّر بعد، مع أنّ مجتمع المعلّمات ناشط منذ سنتين؟ يبدو أنّ دافنا والمجتمع الذي أنشأته لم ينجحا في التحرّر من ثقافة “الاندهاش”.
يسري ذلك أيضًا على مختلف الطواقم والمجتمعات. يلتقي المعلّمون مرة كلّ أسبوعين، يقرأون مقالات أو يتأمّلون تمثيلات ويناقشون استراتيجيّات تربويّة. وفي بعض اللقاءات، يقومون أيضًا بتحليل وظائف الطلاب. عندئذٍ، وخلال النقاش، تسأل المعلّمة الرياديّة: “ماذا لحظتم عندما قرأتم الوظائف؟”. تجيب إحدى المعلّمات: “لحظتُ أنّ المعلّمة التي تعرض هي معلّمة جيدة”. يوافقها معلّمون آخرون الرأي، يثني جميعهم على معلّمة الصف ويسألون ما إذا بإمكانهم الاستعانة بها واستخدام خطط دروسها. مع أنّ المجتمع التعلّميّ يعمل بموجب توجيهات إدارة حوار تربويّ مشترك قائم على تأمّل التمثيلات، ولكنّ الحوار يُقتطع بواسطة ثقافة “الاندهاش!”
.
ثقافة الاندهاش تحول دون إدارة حوار استقصائيّ، يتحدّى المعلّمين، توجّهاتهم، معتقداتهم، فرضياتهم الأساسيّة والممارسات المتّبعة عامةً في عملهم. تتّسم هذه الثقافة بردود الأفعال الإيجابيّة التي تهدف إلى منح أفراد المجتمع شعورًا إيجابيًّا وتجنّب ردود الأفعال السلبيّة أو الهدّامة. ردود الأفعال هذه تهدّد الشركاء في المجتمع التعلّميّ، فهي قد تؤثّر سلبًا على انفتاح أعضاء المجموعة وجاهزيتهم للتعلّم المشترك. ولكنّ ردود الأفعال الإيجابيّة والمصطنعة وتجنّب النقد هي نقيض الانفتاح، وقد تخلق حالة من انعدام الثقة بين أفراد المجتمع التعلّميّ وتمسّ بالقدرة على إدارة حوار استقصائيّ.
حوار كهذا يتطلّب من المعلّمين إبداء الجاهزيّة للتطرّق إلى صعوباتهم وإخفاقاتهم، ويتطلّب من زملائهم إبداء الجاهزيّة لمناقشتهم حول هذا الموضوع بصراحة. إن لم يتحقّق ذلك، ستقوم المجتمعات التعلّميّة بأنشطة تقنيّة تدعم عمليّة التعلّم والتأملّ المشتركة، ولكنّ هذه الأنشطة لن تساهم في تحقيق تغيير تربويّ وتطوير ممارسات تدريسيّة جديدة لدى المعلّمين الجدد.
النقد ليس مجرّد نقد
كلمة نقد هي كلمة إشكاليّة يرى البعض أنّها تصف عملية إشراف ومراقبة أو إعطاء تقييم سلبيّ. لا عجب إذًا في أنّنا نجد أنّ هناك تحفّظًا منها، ليس من الكلمة نفسها، إنّما من فكرة توجيه النقد. ولكنّ النقد ليس مجرّد تقييم أو مراقبة. النقد هو طريقة تفكير ووجهة نظر، وعدم جاهزيّة لتقبّل البديهيات. إنّه يعكس الرغبة في رؤية الواقع ليس بشكله الحاليّ والموجود فحسب، إنّما أيضًا بشكله المنشود. لذلك، يرتكز النقد على التشكيك وطرح الأسئلة، ويحثّ دومًا على تحقيق التغيير. بذلك، فإنّ النقد يعكس السعي للتغيير والتحسّن.
التحسين قد ينبع من حلّ المشاكل، ولكن أيضًا من تعميم تجارب ناجحة. لذلك، فإنّ النقد لا يتمحور حتمًا حول السلبيّ، بل من شأنه تشخيص المشاكل بهدف تطوير وطرح حلول لها، في بعض الأحيان، ربّما سيفضّل تمييز النجاحات لتعميمها.
كلمة نقد وردت كثيرًا في هذه المقالة، ومن المهم أن نوضّح أنّنا نقصد بذلك معناها الموسّع.
كلّما قلّ القرب، ازدادت الصراعات
تدل أبحاث مختلفة على أنّ العلاقات الوطيدة قد تعيق قدرة الإنسان على التحسّن. ففي كثير من الأحيان، عندما تربطنا بالآخر علاقة وطيدة، نميل لتفضيل المألوف على الجديد، الحفاظ على الألفة ومتابعة إعطاء تحفيز إيجابيّ متبادل- “يا لها من فكرة رائعة!”، “الدرس كان رائعًا”. يعطينا ذلك الشعور بالأمان. في العلاقات الوطيدة، التغيير قد يعتبر مخاطرة، إمكانية لقطع العلاقة التي أنشأناها وطوّرناها، ونتيجة لذلك، فإنّ الاحتمال بأن نسعى للتغيّر يقلّ. لذلك، هناك أفضليّة لعلاقات أقل وطادة، لأنّها تسهّل علينا تقبّل أفكار وأنماط سلوكيّة جديدة.
بالمقابل، فإنّ الصراعات قد تشكّل أرضًا خصبة لدعم سيرورات التغيير. الجدالات بين المواقف المتناقضة تساعد على اتخاذ قرارات موزونة، قائمة على الفحص المعمّق للحقائق. الصراعات التي تدار بالشكل الصحيح تساهم في الإبداع والتفكير المستقل على مستوى الفرد، وفي تحقيق الأهداف التنظيميّة والتزام الطاقم بها. ولكن الأهم من كل ذلك هو أنّ الصراعات هي فرصة للتعلّم. فهي تكشفنا على وجهات النظر المختلفة، تساهم في توضيح الاختلافات بيننا وتمكّن المشاركين من رؤية الواقع وتقييمه من منظور الطرف الآخر. بذلك، فهي تشجّع على النمو والتطوّر.
ولكن كما في العلاقات الشخصيّة، فإنّ الصراعات أيضًا قد تعيق سيرورات التغيير. للصراعات الإدراكيّة، أي تلك التي تنعكس في الخلاف بين الآراء المختلفة، مساهمة كبرى. ولكنّ الصراع الذي يتخلّل مشاعر قوية قد يتحوّل إلى قوة مضرة. هذا النوع من الصراعات ينشب عادةً في إطر يكون فيها الأشخاص مقرّبين جدًا، الأمر الذي قد يحول دون التعاون والتطوّر.
بالتالي، هناك مبرّر للتخوّف من الصراعات في مجتمعات المعلّمين، ولكنّ ذلك يؤدي بهم أحيانًا لتجنّب أي شكل من أشكال الخلاف، ويعزّز من ثقافة “الاندهاش”، والتي تخفي حقيقة عدم الانفتاح بين أفراد المجتمع التعلّميّ، والدليل على ذلك هو أنّ المعلّمين لا يعّبرون عن آرائهم ومشاعرهم الحقيقيّة، ويتجنّبون الصراع بكل ثمن.
لذلك، من المهم إدارة الصراع داخل المجتمع التعلّمي. عندما تبلغ الصراعات ذروتها، حيث تكون حادّة وتتخلّل مشاعر قويّة، ثم تُقمع تمامًا، فإنّها تعيق عملية التعلّم المشترك. لكي تشكّل قوة محفّزة، يجيب الحرص على إدارة الصراعات على المستوى الفكريّ وضبط حدّتها للمستوى المطلوب.
زملاء نقديون أمّ نقّاد وديّون؟
فكرة “الزميل النقديّ” تحمل في طياتها القدرة على تحقيق التوازن السليم بين درجة التقارب ودرجة النقديّة المطلوبتين لتحقيق التغيير والتطوّر المهنيين. دور الزميل النقديّ هو توجيه النقد لزملائه من منطلق التعاطف والتماهي مهم.
الزميل النقديّ هو إنسان دوره الرئيسيّ هو النقد، تقديم الاستشارة وتشجيع المعلّمين على التحسّن. يمكنه أن يكون عضو طاقم في المدرسة أو أخصائي تربويّ خارجيّ، وعلى أي حال، عليه أن يتأمّل السيرورات الحاصلة في المدرسة من منظور نقديّ. عليه أن يكون النقيض التام لثقافة “الاندهاش”، وتوجيه نقد موضوعيّ. تصريحاته ليست حتمًا سلبيّة، فهو قد يثني على أحد ما، ولكنّ ذلك يعكس رأيه الصريح. يحرص دائمًا على طرح الأسئلة وعدم تقبّل الأعراف على أنّها أمور بديهيّة. يتصرّف بشكل وديّ، لا ينوي الإساءة لأحد، لكن دوره الرئيسيّ هو استخدام النقد كأداة داعمة لعملية التعلّم.
في الواقع، مصطلح “الزميل النقديّ” قد يخلق بلبلة بخصوص الأهداف من وراء هذا الدور. إذا أصبح الزميل النقديّ صديقًا حقيقيًا، فإنّ ذلك قد يمسّ بقدرته على توجيه نقد. يبدو أنّ الادعاء الأنسب هو أن تحقيق أيّ تغيير تربويّ يتطلّب “نقّادًا وديّين”، قادرين على أن يعرضوا بارتياح وجهات نظر جديدة حول التحديات القائمة في حقل التربية والتعليم، ولا يجب أن يكونوا حتمًا أصدقاء لكي يتم سماع ادعاءاتهم. من الواضح أنّ ذلك لا ينتقص من التزامهم بتوجيه نقدهم بشكل وديّ، من منطلق احترامهم لمعرفة وخبرة زملائهم.
هنا، يُطرح السؤال حول ما إذا يستطيع المعلّمون دفع آلية النقد هذه خطوة للأمام. أيّ أنّه بدلًا من أن نطلب من أحد أفراد المجتمع التعلمّي أن يؤدي هذا الدور، ندعو جميع أفراد المجتمع التعلّميّ لنقد بعضهم بعضًا. تجنّب ثقافة “الاندهاش” وتوجيه النقد بكل ارتياح. ليس بسبب الدور الرسميّ الذي يؤدّونه، إنّما لكيلا يتردّدوا في قول رأي مختلف، لأنّ الأمر مقبولًا في المجتمع التعلّميّ ومن المتّبع أن تُناقش فيه جميع الخلافات والكشف عن الصراعات.
ים.
قيادة الصراع
لكي يتمكّن أفراد المجتمع التعلّميّ من نقد بعضهم بعضًا، هناك حاجة لقيادة شجاعة، قيادة تعترف بأهمية الصراع، تسخيره من أجل سيرورة التعلّم المشتركة، وفي الوقت نفسه، تقليل أثر ثقافة “الاندهاش”. المعلّمة الرياديّة يجب أن توجّه الحوار في المجتمع التعلّميّ بحيث يساهم ذلك في تناول الصراعات، ولكن عليها أن تفعل ذلك مع اعتماد قدر عال من الحساسيّة. عليها أن تميّز الخلافات الخفيّة والكشف عنها، وفي الوقت نفسه، تركيز النقاش حول التوجّهات المختلفة لدى أفراد المجتمع التعلّميّ. عليها أن تفعل كل ما بوسعها ليبقى الصراع موضوعيًا ولا يتحوّل إلى صراع شخصيّ. هكذا، تستطيع المعلّمة الرياديّة تسخير المجتمع التعلّميّ لإجراء حوار استقصائيّ.
من غير المعقول أن نتوقّع من المعلّمة الرياديّة أن تقود بمفردها تغيير سلوكيات أو طريقة تفكير جميع أفراد المجتمع. ولكنّها تستطيع إدارة صراعات مثمرة إذا سعت لتعزيزها بطرق مختلفة:
- تمييز مؤشّرات ثقافة الاندهاش
- التطرّق إليها وتحدّيها فور اكتشافها
- فحص التغيير الحاصل في الحوار داخل المجتمع التعلّميّ مع مرور الوقت
ميّزوا المؤشّرات
عند إلقاء نظرة أولى على مجتمع تعلّميّ يتميّز بثقافة “الاندهاش” قد نقدّر بأنّه يعمل بشكل سليم. ولكن إذا تأمّلناه بعمق، يمكننا تمييز مؤشّرات لثقافة حواريّة إشكاليّة:
- نادرًا ما يطرح المعلّمون على بعضهم بعضًا أسئلة حول ممارساتهم، الفرضيات التي يستندون إليها في عملهم وتوجّهاتهم. بدلًا من ذلك، فإنّهم يمدحون بعضهم بعضًا، ولكنّهم لا يقيّمون المجالات التي تتطلّب من الطلاب أن يتحسّنوا، ولا يسألون بأي طريقة يمكنهم تحسين عملية التدريس بهدف ملاءمتها لاحتياجات الطلاب. إذا خرج المعلّمون من كل لقاء للمجتمع التعلّميّ مع شعور “بالمسايرة والتربيت على الكتف”، فهذا ربما يدلّ على أنّهم لا يتطرّقون إلى أدق التفاصيل ولا يديرون نقاشات عميقة واستقصائيّة.
- المعلّمون الذين يشاركون بالنجاحات فقط. مع أنّ المجتمع التعلّميّ قادر على إدارة حوار استقصائيّ حول تمثيلات هذه النجاحات، إلّا أنّ المعلّمين الذين يخشون إثارة خلاف، سيمتنعون غالبًا عن طرح أسئلة تتحدى أفراد المجموعة، على سبيل المثال، “ما الذي يجعل من هذه الوظيفة وظيفة ناجحة؟”، أو “كيف نساعد الطلاب الذين يواجهون صعوبات على تحقيق نجاحات مماثلة؟”.
- المعلّمون الذين يبحثون عن أعذار لشرح عدم نجاح زملائهم. ثقافة “الاندهاش” تصعّب على أفراد المجتمع التعلّميّ احتواء الإخفاقات، وتحاول أن تعزو مسوؤليتها إلى عوامل خارجة عن سيطرة المجتمع التعلّميّ- طبيعة المَهمّة أو طلاب معيّنين- بدلًا من تحليل أساليب التدريس وفهم كيفية تأثيرها على أداء الطالب. هذا التوجّه، النابع من الرغبة في عدم المساس بمشاعر الشركاء في المجتمع التعلّميّ، لا يساهم في تحسين عملية التدريس.
- المعلّمون الذين يناقشون الاستراتيجيات والممارسات ولكنّهم لا يطبّقونها في عملية التدريس. النقاشات التي تؤدي إلى آثار عمليّة تلزم المعلّمين بإعادة التفكير في عادات متّبعة في عملهم، وأحيانًا، تغييرها أيضًا. لذلك، فإنّ الخلاف حول المواضيع المتداولة فيها قد يثير الاعتراض والصراعات. إحدى الطرق “الآمنة” لتجنّب الصراع هي الفصل بين ما قيل في المجتمع التعلّميّ عما يتم حقًا في الصف. على سبيل المثال، في ثقافة “الاندهاش”، يستطيع المعلّمون تحليل معضلة لأحد زملائهم دون أن يشيروا إلى العلاقة بين التغييرات التي يوصون بتحقيقها والتغييرات المطلوبة منهم في صفوفهم.
قيادة صراع مثمر
على المعلّمة الرياديّة توجيه ثقافة الحوار بحيث تحتوي على تصريحات نقديّة وانفتاح وتقبّل للصراعات بين وجهات نظر جميع المشاركين في المجتمع التعلّميّ. عليها التخطيط لأنشطة بعيدة المدى تحدّد شكل الحوار في المجتمع التعلّميّ، ولكنها لا تستطيع إهمال الأنشطة على المدى القريب. هناك أنشطة طويلة الأجل يمكنها إجراؤها لتحقيق التغييرات البسيطة التي تتيح المجال لإجراء تعلّم استقصائيّ مشترك ومعمّق. فيما يلي بعض الاقتراحات لأنشطة بعيدة المدى وقريبة المدى:
- توفير بيئة آمنة مع أعراف واضحة. قبل الخوض في عملية التدريس والتعلّم، يُستحسن أن تناقش المعلّمة الرياديّة مع المعلّمين الثقافة التي يسعون لتعزيزها والأعراف التي تعكس هذه الثقافة. تحديد الأعراف قد يساهم في تمييز اللحظات التي يسود فيها الخوف من النقد والصراع، وتخطيط استراتيجيات لتعميق النقاش. فيما يلي بضعة أمثلة لأعراف منشودة:
- الرغبة في سماع آراء زملائنا وهم يشكّكون في فرضياتنا الأساسيّة، عقائدنا وطرق عملنا.
- البحث عن اتجاهات التفكير التي تتحدّى وجهات نظرنا النمطيّة
- الاعتراف بحقيقة أنّنا لا نتوصّل دائمًا إلى اتفاق، وإبداء الجاهزية لمناقشة الخلافات دون أن يعكّر ذلك صفو الأجواء أو يعتبر بمثابة إساءة. كتابة الأعراف على ورقة لن تؤدّي بالطاقم نحو نقاش استقصائيّ مشترك. بعد صياغة الأعراف، على المعلّمة الرياديّة الحفاظ عليها، تشجيع وتحفيز المجتمع التعلّميّ على العمل بموجبها، ومناقشة حالات لم تتبّع فيها الأعراف.
- تشكيل قدوة يحتذى بها- شجّعوا عل النقد وكونوا نقديّين. المعلّمة الرياديّة تستطيع أن تقترح على المجتمع التعلّميّ أن تكون الأولى في عرض التمثيلات. إذا وجّه لها زملاؤها المديح فقط عند تأمّل التمثيلات التي عرضتها، يمكنها أن تطلب منهم عرض وجهات نظر أخرى. على سبيل المثال، “أشكركم على التقييم الإيجابيّ، ولكنّني قلقة من المشاكل التي تواجه الطلاب في هذا الموضوع (الإشارة إلى جانب معيّن في العمل). ما هي التغييرات التي تقترحون عليّ أن أجريها؟”
حتى عند التطرّق إلى ممارسات معلّمين آخرين، على المعلّمة الرياديّة التعبير عن رأي نقديّ عند الحاجة. عندما تفعل ذلك، فإنّها توجّه زميلاتها للقيام بذلك، ليكنَّ نقديات ويعبّرن عن رأيهن بصراحة. يوصى بتناول هذا الموضوع بدافع الفضول. المعلّمة الرياديّة تستطيع عرض تساؤلاتها حول القضية المتداولة، التطرّق إلى المعطيات القائمة بخصوص القضية وماذا يمكننا أن نتعلّم منها، إعطاء تقييم وطرح أسئلة مثيرة للتفكير واستقصائيّة. على سبيل المثال، عند التطرّق إلى وظيفة طالبة ما، يمكنها أن تقول: “لحظت أنّ الطالبة استخدمت لغة نظريّة جدًا. إنّها تستخدم الصياغة النظريّة بطريقة ناجعة في الفقرة الثانية، لكن في الفقرة الثالثة، يبدو لي أنّه هناك تكرارًا. يبدو أنّ هذه الطالبة تعرف متى يجب عليها أن تشرح بالتفصيل ومتى لا”. التساؤلات تخلق أجواءً آمنة، ولكنّها تدمج أيضًا تأمّلًا نقديًّا. تتيح المجال للآخرين للاستناد إلى وجهة نظر المعلّمة الرياديّة وتشجّعهم على عرض وجهة نظرهم في النقاش. - استغلوا الفرص لإعادة توجيه الحوار في اتجاه استقصائيّ. المشاركة بالنجاحات وتوجيه عبارات المديح غالبًا لا تحفّز الشركاء على إعادة فحص فرضياتهم الأساسيّة، ولكنّها تثير مشاعر إيجابيّة، ومن شأنها أن تشكّل نقطة انطلاق جيدة لسيرورة التعلّم. عندما يعطي المعلّمون تقييمًا إيجابيًا، بإمكان المعلّمة الرياديّة الانضمام إليهم في ذلك، الاستناد إلى أقوال معلّمين آخرين ودمج أسئلة في أقوالها توجّه نحو التفكير النقديّ:
- ماذا تقصد عندما تقول كلمة جيّد؟ ما الذي سيجعله أفضل؟
- أين تجد ما يثبت ذلك في وظيفة الطالب؟
- حاول أن تكون محدّدًا، أي طريقة كانت ناجحة؟ كيف يمكننا أن نعرف ذلك؟
- كيف يمكننا تكرار تجربة النجاح مع هذا الطالب؟
- كيف يمكننا مساعدة طلاب آخرين في جميع صفوفنا على تحقيق نجاح مماثل؟
- سمعت أشياءً إيجابيّة كثيرة عن وظيفة الطالب وعن أسلوب التدريس الذي يتّبعه المعلّم. في الوقت المتبقي لدينا، نسأل أنفسنا ما إذا كانت هناك مجالات معيّنة يمكن للطلاب أن يتحسّنوا فيها. هل هناك طرق إضافيّة يمكننا بواسطتها مساعدة الطلاب على التحسّن؟
- وضّحوا– ما هو الصراع الذي يدور حوله النقاش؟ المشاركة بتمثيلات عملية التدريس تمكّن المجتمع التعلّميّ من تناول قضايا تربويّة واقتراح طرق للتعامل معها. ولكن في بعض الأحيان، يخشى المعلّمون من النقد الذي سيسمعونه من زملائهم، إذا انكشفوا على سيرورتهم التدريسيّة ونواتجها. المعلّمة التي تواجه صعوبة في صياغة معضلة أو تحدٍ تربويّ ربّما تخشى مما سيقوله زملاؤها عنها. لمساعدتها في ذلك، تستطيع المعلّمة الرياديّة طرح أسئلة توجيهيّة، مثل:
- ما هي التمثيلات التي يمكنك مشاركة المجتمع التعلّميّ بها؟
- لماذا اخترت هذه التمثيلات بالذات؟
- ما هي التحديات أو المعضلات التي واجهتك، وتنعكس في التمثيل؟
يمكنك أيضَا صياغة المعضلة خطيًّا أو شفويًا، لعرض أهم مركّباتها وتركيز النقاش عليها، بدلًا من تركيزها على الجوانب الشخصيّة. بإمكان المعلّمة الرياديّة أيضًا تشجيع سائر الزملاء على التعمّق في سيرورتهم التدريسيّة استنادًا إلى المعضلة العينيّة. بإمكانها أن تسأل:
- هل يمكنك أن تجد في التمثيل دلائل على المعضلة التي تواجه المعلّمة؟
- هل تلحظون وجود تحديات مماثلة في صفوفكم؟ كيف تتعاملون معها؟
- التركيز على الطلاب. يُستحسن أحيانًا تركيز النقاش على تحدّي الطالب بدلًا من تركيزه على عملية التدريس. على سبيل المثال، بدلًا من أن نسأل: “ما الذي كان يمكن للمعلّمه أن تغيّر؟”. بإمكان المعلّم الرياديّ أن يسأل:
- ماذا يحتاج هذا الطالب؟
- ما هي نقاط القوة والاحتياجات التي تميّزونها في وظيفة الطالب؟
- ماذا نستنتج من وظيفة الطالب عن فهمه أو عدم فهمه للمادة؟
- ما هي الخطوات التالية التي يوصى باتخاذها مع الطالب؟
التركيز على الطلاب يخفّف من حدة الشعور بالقلق والشعور بالذنب، ويشجّع المعلّمين على تأمّل سيرورتهم التدريسيّة بطريقة تحليليّة أكثر، مناقشتها بشكل مفتوح وعرض آراء مختلفة ومتناقضة، بغية تطوير حلول مشتركة.
قيّموا التغيير
النقد والمشاعر السلبيّة هي جزء من التفاعل بين الناس. إن لم يتعدَ النقاش الدائر في المجتمع التعلّميّ حول عمليتي التعلّم والتدريس حدود ثقافة “الاندهاش”، قد يعبّر أفراد المجتمع عن مشاعرهم الصعبة بعد اللقاءات بواسطة نقاشات النميمة، يعبّرون فيها عن آرائهم الحقيقيّة. هذا السلوك قد يخلق ثقافة “الغياب التام للاندهاش”. هذه الثقافة قد تشكّل عائقًا أمام محاولات إدارة نقاش استقصائيّ مشترك. يُستحسن بأن تقوم المعلّمة الرياديّة “بقياس النبض” من حين لآخر، لتقييم الأجواء السائدة في المجتمع التعلّميّ:
- يمكنم إجراء استجواب: في نهاية اللقاء، بالإمكان إجراء تصويت حول مشاعر المعلّمين بخصوص مدى الاستكشاف والاستقصاء الذي اعتمدَ في الحوار. يُستحسن أن تحدّدوا السؤال مسبقًا، على سبيل المثال، يرفع المعلّم قبضته إذا شعر بأنّ الطاقم لم يخرج عن حدود ثقافة “الاندهاش”، يرفع إصبعًا واحدة إذا كانت هناك محاولة لتحدّي وتحفيز الحوار، إصبعين إذا تم بلوغ حوار كهذا بطريقة أو بأخرى.
إذا كانت هناك فجوات كبيرة بين المعلّمين، بالإمكان تشجيعهم على المشاركة بمشاعرهم باختصار، وتحديد أهداف اللقاء التالي. على سبيل المثال، إذا وجّه أحد ما ملاحظة مهمّة من شأنها التأثير على الديناميكيّة الجماعيّة المستقبليّة، بالإمكان القول، “ربما يحتاج هذا الموضوع لوقت أطول من الوقت المتاح لدينا الآن”، واقتراح تخصيص وقت أطول لذلك في اللقاء القادم. - افحصوا الأمور في محادثات مباشرة. يوصى بمتابعة التقدّم بواسطة محادثات مباشرة. ترسم هذه المحادثات صورة واقع لمشاعر زملائهم بخصوص الصراعات القائمة في المجتمع التعلّميّ (الظاهرة والخفيّة على حد سواء)، مدى جاهزيتهم لتناولها في نقاش استقصائيّ مشترك، والتزامهم بالابتعاد عن ثقافة “الاندهاش”.
- يمكنم إجراء استجواب: في نهاية اللقاء، بالإمكان إجراء تصويت حول مشاعر المعلّمين بخصوص مدى الاستكشاف والاستقصاء الذي اعتمدَ في الحوار. يُستحسن أن تحدّدوا السؤال مسبقًا، على سبيل المثال، يرفع المعلّم قبضته إذا شعر بأنّ الطاقم لم يخرج عن حدود ثقافة “الاندهاش”، يرفع إصبعًا واحدة إذا كانت هناك محاولة لتحدّي وتحفيز الحوار، إصبعين إذا تم بلوغ حوار كهذا بطريقة أو بأخرى.
التحلّي بالصبر والشجاعة
المجتمع التعلّميّ الذي يضع أهدافًا، يحدّد أعرافًا ويتّبع طرقًا لإدارة حوار استقصائيّ، ولكنّه لا يتعامل مع ثقافة “الاندهاش”، سيواجه صعوبة في تحقيق نمو مهنيّ لدى أفراده. التعامل مع هذه الثقافة يتطلّب قيادة قادرة على تمييز مؤشّرات هذه الثقافة، تتحلّى بالشجاعة وتتبّع طرقًا تؤدي إلى تغييرات جذريّة في التفكير والسلوك. ولكن من المهم أن أنوّه أنّه ليس كل فرد من أفراد الطاقم سيعايش التغيير الثقافيّ في الوقت نفسه، إنّها سيرورة تدريجيّة، تحدث بوتيرة متغيّرة، ويحدث فيها أحيانًا تراجع ما. ولكنّ اللحظات القصيرة الني نشعر بها بعدم الراحة أو بعدم اليقين هي أهم المؤشّرات على حدوث التغيير.